تعد حوكمة الشركات من الموضوعات المحورية التي تحظى باهتمام واسع في الأوساط الاقتصادية والقانونية محليًا وعالميًا، فقد أظهرت الأزمات المالية التي شهدها العالم أهمية وجود قواعد تنظيمية صارمة تضمن استقرار الأسواق وتعزز الثقة بين المستثمرين ومجالس الإدارة والإدارة التنفيذية.
وتسعى أنظمة الحوكمة إلى الحد من استغلال السلطة الإدارية بما يضر بمصالح المساهمين، كما تعمل على تفعيل دور مجالس الإدارة وتعزيز الرقابة الداخلية، وتحديد الأدوار والاختصاصات بين المساهمين ومجالس الإدارة والإدارة التنفيذية وأصحاب المصالح.
إن مفهوم الحوكمة يمثل منهجًا إصلاحيًا وآلية حديثة لترسيخ النزاهة في المعاملات المالية، عبر محددات وضوابط قانونية وإدارية تخدم المصلحة العامة وتحمي الحقوق الخاصة للمساهمين.
المقصود بحوكمة الشركات
تعرف حوكمة الشركات بأنها الإطار القانوني والإداري الذي تُدار من خلاله الشركات، والذي ينظم العلاقات بين مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين والمساهمين وأصحاب المصالح. وهي تتضمن وضع آليات وإجراءات لصنع القرارات بطريقة تتسم بالشفافية والمصداقية، بما يكفل حماية الحقوق وتعزيز العدالة والتنافسية في بيئة الأعمال.
أهمية حوكمة الشركات وفوائدها
تبرز أهمية الحوكمة في عدة جوانب أساسية، من أبرزها:
- على مستوى الاقتصاد: تسهم في تعزيز كفاءة النظام الاقتصادي، واستقرار الأسواق المالية، ورفع مستويات الشفافية، وجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية، والحد من المخاطر.
- على مستوى الشركات: تساعد على بناء بيئة عمل سليمة تدعم النمو والتوسع، وتُسهل الوصول إلى التمويل بتكلفة أقل، وتضمن استقرار الأداء المؤسسي.
- على مستوى المستثمرين وحملة الأسهم: تعزز ثقة المستثمرين من خلال حماية أموالهم من سوء الإدارة أو تعارض المصالح، وتدعم مشاركتهم الفعّالة في القرارات الرئيسة.
- على مستوى أصحاب المصالح الآخرين: تُرسخ الثقة بين الشركة ومورديها وعملائها ودائنيها والعاملين لديها، مما يرفع من مستوى الالتزام والولاء المؤسسي.
حوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية
أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا بتطبيق الحوكمة، حيث أصدرت هيئة السوق المالية لائحة حوكمة الشركات التي تُنظم حقوق المساهمين، وواجبات مجلس الإدارة، وآليات الرقابة والشفافية.
حقوق المساهمين
من أهم ما نصت عليه الأنظمة:
- الحق في الحصول على الأرباح ونصيب من أصول الشركة عند التصفية.
- الحق في حضور الجمعيات العامة والتصويت على قراراتها.
- الحق في مراقبة أعمال مجلس الإدارة ورفع دعاوى المسؤولية ضده عند الاقتضاء.
- الحق في الحصول على المعلومات والبيانات المالية بشفافية.
ومن أبرز آليات حماية حقوق المساهمين اعتماد التصويت التراكمي لاختيار أعضاء مجلس الإدارة، الذي يتيح تمثيل المساهمين الأقلية ويحد من هيمنة كبار المساهمين. كما أُقرّ نظام التصويت عن بعد باستخدام الوسائل التقنية الحديثة لتسهيل مشاركة المساهمين وتعزيز كفاءة اجتماعات الجمعيات.
الإفصاح والشفافية
أوجبت الأنظمة على الشركات وضع سياسات مكتوبة للإفصاح، وتضمين تقارير مجلس الإدارة ما تم تطبيقه من لائحة الحوكمة وما لم يُطبّق مع بيان الأسباب. كما يجب أن تكون القوائم المالية مصحوبة بتقارير تفصيلية تُمكّن المستثمرين من تقييم الوضع المالي للشركة بوضوح.
مجلس الإدارة واختصاصاته
يمثل مجلس الإدارة جميع المساهمين، ويتحمل مسؤولية كاملة عن إدارة الشركة بما يحقق مصالحها. ومن أبرز مهامه:
- رسم السياسات والخطط الاستراتيجية.
- وضع أنظمة وضوابط الرقابة الداخلية.
- ضمان الإفصاح الدقيق عن المعلومات الجوهرية.
- إعداد تقارير سنوية شفافة.
- تشكيل لجان متخصصة لمتابعة أعمال المجلس.
ويجب أن يضم المجلس أعضاء مستقلين لضمان الحياد، إلى جانب الأعضاء التنفيذيين وغير التنفيذيين، مع وضع ضوابط للاستقلالية تمنع تعارض المصالح.
لجان مجاس الادارة
من أبرز اللجان التي نصت عليها الأنظمة:
- لجنة المراجعة: مختصة بمتابعة التقارير المالية والمراجعة الداخلية وضمان الالتزام.
- لجنة المكافآت: تعنى بوضع سياسات واضحة لمكافآت أعضاء المجلس وكبار التنفيذيين.
- لجنة الترشيحات: تحدد معايير عضوية المجلس والإدارة التنفيذية وتراجع استقلالية الأعضاء.
ويجوز للشركات دمج لجنتي المكافآت والترشيحات في لجنة واحدة، بشرط الوفاء بجميع متطلبات كل منهما.
وفي الختام إن حوكمة الشركات في النظام السعودي تمثل إطارًا تنظيميًا متكاملًا يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة، وضمان حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح، وتهيئة بيئة استثمارية جاذبة ومستقرة. كما أن تطبيق مبادئ الحوكمة يعكس التزام الشركات بالمسؤولية والرقابة والالتزام، مما يسهم في تحقيق أهدافها الاستراتيجية ويعزز مكانة الاقتصاد السعودي على المستويين الإقليمي والدولي.
إضافة تعليق جديد