في ظل التطور التقني السريع وانتشار استخدام التقنيات الرقمية في مختلف نواحي الحياة، برز الدليل الرقمي كعنصر رئيسي في الإثبات أمام المحاكم. ومع اتساع التعاملات الإلكترونية في السعودية، أصبح من الضروري فهم كيفية التعامل مع الأدلة الرقمية قانونيًا، ومدى اعتبارها حجة أو وسيلة إثبات وفقًا للنظام القضائي السعودي.

أولًا: مفهوم الدليل الرقمي في القانون السعودي

الدليل الرقمي هو كل ما يُنتج من بيانات إلكترونية قابلة للاستخدام في الإثبات، مثل:

-              الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني.

-              سجلات المكالمات أو المواقع الإلكترونية.

-              الصور والفيديوهات الرقمية.

-              البيانات المخزنة في الأجهزة الإلكترونية (كالهاتف أو الحاسوب).

وتعتمد المحاكم السعودية على الأدلة الرقمية كوسيلة لإثبات الوقائع أو نفيها، بشرط تحقق شروط قبولها.

ثانيًا: النظام السعودي والتنظيم القانوني للدليل الرقمي

تتضمن القوانين والأنظمة السعودية عدة نصوص تتعلق بالأدلة الرقمية، أبرزها:

•              نظام الإجراءات الجزائية: حيث نص على قبول كل دليل قانوني، مع مراعاة شرعية الحصول عليه.

•              نظام الإثبات: الذي يسمح باستعمال الوسائل الحديثة في الإثبات ومنها الأدلة الرقمية.

•              نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية: ينظم كيفية التعامل مع الجرائم المرتبطة بالبيانات الرقمية ويحدد طرق حفظ الأدلة الرقمية.

•              اللائحة التنفيذية لنظام التعاملات الإلكترونية: التي تضمن شرعية التعاملات الإلكترونية وأثرها القانوني.

ثالثًا: طرق إثبات الدليل الرقمي

لإثبات الدليل الرقمي في المحاكم السعودية، يجب اتباع خطوات معينة:

1- الحصول القانوني على الدليل: يجب أن يكون الدليل قد تم جمعه وفقًا للقانون، دون انتهاك حقوق الخصوصية أو التعدي على النظام.

2- توثيق الدليل التقني: عبر حفظه بطريقة تضمن سلامته من التغيير أو التلاعب، مثل استخدام شهادات التوثيق الرقمي أو حفظه في أجهزة مختصة.

3- التحليل الفني: إجراء خبرة فنية لتأكيد صحة الأدلة الرقمية وسلامتها.

4- عرض الدليل أمام المحكمة: مع شرح فني لكيفية الحصول عليه، وتوثيق السلسلة الزمنية لضمان عدم التلاعب.

رابعًا: هل الدليل الرقمي حجة أم وسيلة إثبات؟

في القانون السعودي، الدليل الرقمي ليس حجة ثابتة بذاته، بل هو وسيلة إثبات تُعرض على المحكمة. ومن ثم، يعود للمحكمة تقييم مدى مصداقيته ووزنه القانوني، بناءً على شروط:

•              سلامة الأدلة.

•              مدى موثوقية مصدرها.

•              توافقها مع باقي الأدلة والمستندات.

•              وجود شهادة خبراء التقنية إذا اقتضى الأمر.

خامسًا: التحديات القانونية في إثبات الدليل الرقمي بالسعودية

•              التلاعب والتزوير: صعوبة التأكد من عدم تعديل الأدلة الرقمية.

•              الخصوصية: ضمان عدم انتهاك حقوق الخصوصية أثناء جمع الأدلة.

•              الاختصاص القضائي: صعوبة إثبات الأدلة الرقمية التي تتعلق بأحداث عبر الإنترنت خارج نطاق المملكة.

•              الخبرة الفنية: الحاجة إلى مختصين لتفسير الأدلة الرقمية.

 

وفي الختام الدليل الرقمي أصبح جزءًا لا يتجزأ من آليات الإثبات في النظام القضائي السعودي، لكنه يبقى وسيلة إثبات تعتمد على مدى التزام إجراءات جمعه وحفظه وفق القانون. ومع التطور المستمر في التقنية، تتجه القوانين السعودية إلى مزيد من التنظيم والتشريع لضمان الاعتراف بهذه الأدلة مع المحافظة على الحقوق والحريات.